ثياب الفصول


     في مثل هذه الأيّام، نقوم، نحن المتوسّطي الحال، بلملمة ثيابنا الشتائيّة لنخبّئها لشتاء جديد، ونقول، ونحن نخفيها في الحقائب وعلى الرفوف العلويّة: "يدرى من يعيش للسنة الجايي". وهكذا نفعل مع نهاية الصيف. نقف على عتبات الفصول والخزانات، وننظر إلى ثيابنا، ونسأل إن كانت تصلح للسنة المقبلة، أم نتبرّع بها للمعوزين. ثمّ نتذكّر أنّنا على شفير العوز، وقد لا نستطيع في السنة المقبلة أن نشتري ما هو أفضل منها، فنبقيها قرشًا أبيض لليوم الأسود. فنحن لقلّة إيماننا نخاف أن ينسانا الله فلا يلبسنا كما ألبس زنابق الحقل، فنحتفظ بملابسنا العتيقة وأحذيتنا المتعبة من سنة إلى سنة عزيزة غالية كـ"عهد الولدنة".
     وحين نفعل ذلك مع تبدّل الفصول والحرارة، نعرف أنّ هذا الطقس الوجوديّ المتأمّل يخصّنا وحدنا، نحن أبناء الطبقة المتوسّطة القليلي العدد. فالأغنياء لا يعرفون هذه التساؤلات، وإن كنت في الحقيقة لا أعرف ماذا يفعلون تحديدًا في مثل هذا الوقت. فهل يهتمّون شخصيًّا بترتيب الخزانات أم يوكلون الأمر لخدمهم ومدبّري شؤونهم؟ وهل يتركون كلّ شيء في مكانه، وينتقلون إلى غرف أخرى وخزانات أخرى وقصور أخرى وبلدان أخرى لدى تغيّر الفصول، أم إنّ الفصول تتغيّر إكرامًا لخواطرهم ورغباتهم؟ وهل يحتفظون بالملابس من سنة إلى سنة أم إنّ أرباب دور الأزياء لا يسمحون لهم بذلك؟
     والفقراء أيضًا لا يعانون من هذه المشكلة، فالملابس قليلة، لا تحتاج إلى كلّ هذا التخطيط والتفكير والتدبير. هم كأشجار الغابات التي لا تغيّر ملابسها مهما تبدّلت الفصول، وكأزهار الربيع التي تملك ثوبًا واحدًا، ومتى تساقطت وريقاتها الهشّة ظهرت في عري الذبول والموت.
    المشكلة عندنا نحن الذين لا نزال نملك إلى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من ثوب وأكثر من حذاء وأكثر من حقيبة يد. ولعلّ سياسة الدولة الاقتصاديّة ستريحنا قريبًا من هذا العبء، ولن نفتّش بعد الآن عن يوم عطلة نقوم فيه بـ"ضبّ تياب الشتي"، وتحضير ملابس الربيع والصيف.
    نحن فقط المتأمّلون في حركة الفصول وتعاقبها وجمال كلّ منها. ونحن فقط المتسائلون عن مخبآت الأيّام الآتية، ونحن فقط الخائفون من اللعب مع الوقت والزمن، ومن مرور الوقت والزمن، ونحن فقط حاضنو الذكريات المعلّقة في كُمّ ثوب والفائحة من ثنية ياقة. ولولانا لما كان لقضيّة بسيطة كهذه أن تحتلّ حيّزًا من الاهتمام وعددًا من الكلمات. فلولانا نحن الواقفين على عتبات الفصول، والمحتفلين بالطقوس، لمرّ الشتاء بلا مطر، والخريف بلا رياح، ولعَبَر الصيف بلا شمس والربيع بلا زهر.

(النهار – الاثنين 29 آذار 2004)

عن كتاب "أحببتك فصرت الرسولة" - بقلم علوان حسين


     

     

     أقترح أن يدرّس كتاب ماري القصيفي (أحببتك فصرت الرسولة) في المدارس والمعاهد والكليّات ككتاب حكمة ودين، يعلّم الناس معنى الحبّ والشفافيّة والجمال، الحبّ في معناه العميق الذي إن لامس القلب يغيّر ويعيد تكوين صاحبه بنوع من المسّ الكهربائيّ الذي يصقل القلب والروح ويعيد صياغة الجسد أيضًا، فيعلم الناس حبّ أجسادهم، ومحاولة فهم لغة الجسد وإيماءاته، كما يعلّمهم طريقة التعبير عن ذلك الحبّ بلغة شعريّة فاتنة.
    والكتاب نثر مكتوب بلغة شعريّة راقية، نكاد أن نرى الحروف وهي ترقص طربًا ثملة بالحبّ، والكلمات هي الأخرى مثل الأجساد تتمايل مع النسيم الهابّ من منطقة خلاّبة خفيّة تكمن هناك في أعماق اللاوعي نسميها القلب تارةً والوجدان تارة أخرى.
     لم أقرأ من قبل حتّى مع نشيد الأناشيد بعذوبته الفائقة و(الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع) بجماله الأخّاذ وما كتب نزار قباني من شعر، كتابًا يأخذ بالألباب بمثل هذه الطرافة والفتنة الآسرة. فهو أقرب لروح الموسيقى التي باستطاعتها وحدها جعلنا نحلّق بعيدًا عن أجسادنا، موسيقى خفيّة صوفيّة في بعض الأحيان وحسيّة في أكثر الأحيان، لكنّها موسيقى من نوع خاص تمزج ما بين الكلمة وفنون أخرى، فتأخذ من السرد رشاقته، ومن النغم لطفه ورقته، ومن الرسم تلاوينه، في تشكيل ساحر، يمنحني أنا القارئ المتعة والنشوة والجمال وكأنّني أمام كتاب سماويّ لنبيّة جديدة آتية من العصر، وتكتب بروح العصر وزمانه.

فعل ندامة

Bernie Boston

خائفة
خائفة جدًّا!
فأنا لا أعرف إن كنت تسبّبت 
من غير قصد طبعًا 
في ما يحصل لكم اليوم يا أطفال سوريا ...
كان ذلك من زمن بعيد
وكان القصف عنيفًا
وكنت صغيرة
وكنت خائفة
أنا دائمًا خائفة 
يومها بكيت وغضبت وصرخت بين قذيفتين
سائلةً سماء خرساء:
"
يللي عم يقصفونا ما عندن ولاد؟"
والله، لم أكن إلاّ خائفة
خائفة جدًّا،
وجاهلة 
جاهلة جدًا،
لم أعرف أنّ السماء بعيدة 
وأنّ هدير الطائرات قويّ
وأنّ السماء لم تسمع إلّا الكلمة الأخيرة من سؤالي
وفهمتْ ما لا يمكن أن يخطر لي!
اغفروا لي يا أطفال سوريا
كنت صغيرة وخائفة
خائفة جدًّا
ولا أحد غيركم يمكن أن يفهم الآن 
كيف يكون هذا النوع من الخوف!
الخوف الذي يقول للطفل:
إذا أردت أن تنجو فستكون شيطانًا
وإن أردتَ أن تبقى ملاكًا فعليك أن تموت!
وأنا خائفة... لأنّني نجوت!

إلى رجل يشبه الكتابة



1- صلاة يوم الأحد: 
في مناسبة عيدك أيّها المعلّم يسوع، 
اغفر لي لأنّني صدّقتهم حين طلبوا منّي أن أكون على مثالك في التربية والتعليم!
ولم أفهم أنّهم يريدون، أن أكون من سلالة يهوذا، فأسلم كلّ يوم تلميذًا ليصلب!

***

2- عمرُ الأنوثة والرجولة قصير... عمرُ الإنسانيّة طويل كصبرِ الله علينا 

***

3- في مناسبة عيد المعلّم "اللبنانيّ"، وعيد الأبجديّة "اللبنانيّة":
كلّ عام ومعلّمو الرياضيّات والفيزياء والكيمياء واللغات الأجنبيّة والرياضة والموسيقى والرسم بخير وعافية... 
أمّا معلّمو اللغة العربيّة فـ"على قفا مين يشيل" كما "صرّح" أحد المدراء المخضرمين، و"بدها هالقدّ تعليم العربيّ"، بحسب ما أدلت به إحدى المديرات "النجيبات"، و"بتفلّ منسّقة دروس العربي منجيب عشرة"، على ما أعلن رئيس لجنة الأهل في إحدى المدارس "المتفرنجة"!

*** 

4- إلى من علّم شفتيّ درسَ القبلة وأخواتها:
الأفعال الناقصة ليست لنا!

***

5- (باللبنانيّ)
كلّ ما قرّبت ليك بحسّ حالي عم قرّب ع حالي
 

***

6- العبقريّة الوحيدة التي عليك أن تسعى لامتلاكها هي أن تعرف كيف تختار أصدقاءك!