الرجل الممحاة

Karin Jurick

هي: أتعبني غيابُك، كبرت وتغيّرت!
هو: أداوي تعبك بلمسة، وأزيّن إصبعك بقبلة، وأذكّرك بذاتك حين أهمس في أذنك كم أحبّك!
هي: أنا أكبر منك سنًّا!
هو: ألا تذكرين كيف تركتك تولدين قبلي؟ قلت لك: اسبقيني واكتشفي العالم، لأني حين أصل لن أترك لك فرصة لتري سواي!
هي: أنت أقوى منّي!
هو: منحتِ الجميع ما تملكين فضعفت، فجئت أعيد إليك قوّتك!
هي: ما الذي يمكنني أن أمنحك إيّاه وأنت تملك كلّ شيء؟
هو: أريد أن تمنحيني فرصة لأمنحك ذاتي وكلّ ما أملك!
هي: لماذا لم تقل شيئًا قبل الآن؟
هو: كنت أجمع الكلمات كما يجمع الصيّاد حبّات اللؤلؤ ليصنع لحبيبته عقدًا تزيّن به جيدها!
هي: وهل أنت صيّاد؟
هو: معك أنا طريدة ترغب في الوقوع في الأسر!
هي: من أنت؟
هو: أنا الرجل الممحاة. لن أدعك تكتبينني بعد اليوم، وتضعين نقطة النهاية. أنا رجلٌ لم تنجبه واحدةٌ من بنات أفكارك. وأعصابي ليست فواصل في جملتك، وقلبي ليس مجرّد عنوان لنصّ يداعب مخيّلتك. معي لستِ كاتبةً ولا قارئة، بل امرأةٌ ظنّت أنّ جسدها جملة اعتراضيّة، وأنّ عمرها نقطة نهائيّة، وأنّ السعادة صورة مجازيّة. أنا لستُ كلمةً فاضت عن حبر قلمك، أو حرفًا ساقطًا فوق صفحة شاشتك البيضاء، أو ضميرًا مستترًا في فعل الحبّ الذي لم تجيدي حتّى اليوم تصريفه إلّا في الزمن الماضي. أنا لستُ الرجل السوبرمان، ولا الرجل الوطواط، ولا الرجل العنكبوت... أنا الرجل الممحاة، أمحو الندوب وأترك التجاعيد، أمحو الحزن وأترك الحنين، أمحو الأرق وأترك الحلم، أمحو الغضب وأترك الثورة، أمحو العناد وأترك الرغبة... وأنتِ قضيّتي الوحيدة. 

إلى رجل يشبه الكتابة

شكرًا عايدة بدر على التصميم المعبّر

تعال
في أرضي وزّال ونعناع ومردكوش وحبق
في يديّ أقحوان أبيض
في شعري زيزفون
على شفتيّ حبّتا قمح تنتظران
***

قلت لطبيبي: مصابة بالدوار والتعب والأرق وتغيّر المزاج ونوبات البكاء... هذه علامات سنّ اليأس أليس كذلك؟
نظر إليّ وابتسم وقال مطمئنًا: كان يمكن أن تكون هذه عوارض سنّ اليأس لولا بريقُ السعادة في عينيك... 
وتابع كمن يعرف أسرار الكون: من الواضح أنّك عاشقة!

***

اكتشفني وسمّني باسمك
***

لن ألهيك عن عملك في مثل هذه الساعة من الليل
سأكتفي بالجلوس معك 
وأنا أتخيّل طاولة المكتب سريرًا!
***

أرغب في تقبيلك
لأضع نقاط الشوق فوق حروف شفتيك
ليس أكثر...
***

مذ ناديتني يا امرأتي 
وأنا غارقة في حضن الياء 
التي ميّزتني عن سائر النساء
***

صلاة يوم الأحد:
ساعدني، اللهمّ، لأنهي حياكة شرنقتي
نفسي تتوق إلى الفراشة التي فيّ!
***

لا أريد أن نكون واحدًا
لا أطيق أن نتّحد
لا أحتمل أن يذوب أحدنا في الآخر
بل أرغب في أن يطول عمر الرغبة
وأشتهي أن أكتب مئة قصيدة في وصف ما قبل الوصول
وأتوق، أتوق فعلاً، إلى أن يكون بيننا مليون قصّة لقاء وفراق!
***

إلى الفنّانة الراحلة ليلى حكيم:
كان الفنان يعاني والمتلقّي يستمتع
صار الفنّان يستمتع والمتلقّي يعاني
***

لم أكن أعرف قبلك أنّ لدقّات القلب إيقاعًا تدور الأرض على وقعه... ولا تقع!
***

لا تستطيع الواحةُ أن ترافق العابر
ولا يمكن للعابر أن يجد في الواحة وطنًا
***

الرجل الذي يسألك لماذا تبكين، لا يستحقّ أن برى دموعك
***

فقرة تلو فقرة
يتكوّن النصّ 
الذي تكتبه على ظهرك
شفتاي
***

يمضي المرء النصف الأوّل من عمره وهو يبحث عن الحبيب،
والنصف الثاني في التفتيش عن الطبيب. 
***

تتقيّأ نفسي شاعرًا خبيثًا كما يتقيّأ اللهُ فاترَ الإيمان
***

في مناسبة عيد العمل، 
قالت له حرفيًّا:
تعا نعمل صبحيّة

فأجاب إنّه لا يعمل يوم العطلة!
***

نادرًا ما لبّيت نداء الواجب
ولكنّي لا أقول لا حين يدعوني الشغف
***

الليلةَ
ليَ الخمرُ ولكَ الأمرُ... 
***

يدُك، يدُك الجميلة الرقيقة
ليتها لا تكتب على جسدي الليلة 
ليتها تعزف
***

أنا وأنت يا وطني لن نجد رجل أحلامنا
ربّما لأنّنا أكبر من حلم أيّ رجل!
***

كم يبدو النقاش في الوطنيّة سخيفًا أمام غياب الإنسانيّة! 
***

نزيه خاطر... ع مهلك ع الله... ما تنتقدو كتير... 
غاب نهار آخر بغيابك... وصارت العتمة ثقيلة 
***

صلاة يوم الأحد:
يا ربّ! لا يعنيني أن أعرف جنس الملائكة، ولا إن كانت مريم عذراء أو عندها دزينة أولاد مثل يسوع (لمَ لا؟)، أو من هو آخر الأنبياء، أو إن توحّد عيد الفصح...
يعنيني يا ربّ ضمان الشيخوخة، ودواء للسرطان، ومزيلٌ للألم، وعودة النازحين إلى بيوتهم، وطبيعةٌ فيها بحرٌ نظيف، ونهر صافٍ، وشجرةٌ واعدة، وعصفور آمن... وحياةٌ لا يبكي فيها عجوز ولا يخاف طفل، ولا تهانُ امرأة، ولا يُعتقلُ صاحب رأي!
فاقتضى التوضيح! آمين!
***

الضبابةُ فستانُ عرسي
والغيمةُ طرحتي 
والعريس هواء
***

قالت لي المرآة: لماذا تقاومين هذا الرجل الذي يقطع الأنفاس؟
أجبتها وأنا أبتسم لها: يا صديقتي! في هذه المرحلة من العمر، متمسّكة أنا بكل نَفَس من أنفاسي... 
***

ليلة السبت:
صرخت أمّ الجنديّ الشهيد: 
اخرجوا واسهروا وارقصوا وغنّوا واعشقوا وعيشوا
لا تدعوا دم ابني يذهب هدرًا
***

اليوم أيضًا،
استيقظت وأنا لست إلهة بعد
وكلمتي لم تصر رجلًا... 

إبقي عروسًا ليطول عمر الفرح


إلى باتريسيا ... إبقي عروسًا ليطول عمر الفرح

     يا صغيرتي الطفلة التي كبرتِ على غفلة منّا، مذ اتّصلت أمّك وقالت إنّها ستمرّ لبضع دقائق لتراني، شعرت بأنّ العمر مرّ بسرعة، لكنّه لم يضع. وكانت بطاقة الدعوة إلى حفل إكليلك، في يدها المرتعشة تأثّرًا، دليلًا يؤكّد لي أنّ الأمّ التي تعبت وربّت وَجَدَت، وكانت النظرة الهاربة في عينَيّ والدك إثباتًا على أنّ الأبّ الذي تعب وربّى وَجَدَ، وكنتُ أمامهما أشهد على حبٍّ أنجب حبًّا. وأفرح لأنّ الدنيا لا تزال بخير!
    قبلَك، يا صغيرتي الشابّة، تزوّج زملاء لك وزميلات، فشهدت على تكوّن عائلاتهم، واستُشرت في تربية أولادهم. لكن، قبلك، لم تصلني دعوة لأكون حاضرة فأراك تقولين نعم للحبّ والعائلة والالتزام والمسؤوليّة والعلم والعمل... هكذا كنتِ دائمًا ولا أراك إلّا هكذا، وسعيدٌ من سيقول لك نعم لأنّه التقى فيك بالحياة التي لا تعرف اليأس، وبالعزيمة التي لا تخشى الصعوبات، وبالمحبّة التي لا تعرف إلّا الفرح.
    لكنّك اليوم يا صغيرتي العروس، لستِ مجرّد فتاة ترتبط بشاب، أنت سفيرتنا الجديدة إلى بلاد الغربة التي تبقى بعيدة ولو صار العالم قرية كونيّة. أنتِ سفيرة عاداتنا وتقاليدنا، وهويّتنا المعجونة بتراب الأرض وهواء الفضاء ودم الشهداء ونور الشمس وهاجس الحريّة والتوق للمعرفة. أنتِ حاملةُ وطنَك في فكرك المنذور للعطاء، وحاضنة عائلتَك في قلبك الموعود بأطفال لهم إرثُك الحضاريّ، والمؤتمنة على تاريخِك المجبول ألمًا وأملاً. فلا ترضي بأقلّ ذلك.
    إبقي عروسًا يا صغيرتي الكبيرة، ليطولَ عمرُ الفرح في بيتك وبيت أبويك وبيت حمويك، واكبري بالنعمة التي وُهبتها، مذ قال إيلي، والدك، لجوسلين، زوجته وحبيبة قلبه، فليكن لنا فتاة كلوحةٍ يشعّ منها ضياءُ السماء، فأجابته جوسلين: وليكن لنا صبيّ كمعزوفةٍ تحمل آهاتِ العشّاق السعداء. وتكلّلي، يا ابنة الحكمة، بالحكمة التي أضفتِ إليها، مذ كنت تلميذة تلتهم الكتب ولا تشبع من المعرفة، كثيرًا من ذكائك وابتساماتك وتواضعك. ولا تنسي أنّ وسادتك ستبقى ملهوفة لتضعي رأسك عليها، وتعودي طفلة يحوطها أهلها بالدلال والاهتمام... ومن كان لها مثل هذه الأرض، وذلك البيت، وتلك الوسادة فلن تبتعد مهما غرّبتها الأيّام، ولن تكون غريبة أينما ذهبت في العالم.

    كوني سعيدة... ليطولَ عمرُ الفرح في قلوبنا!