ماري القصيفي تحاور ماري القصيفي حول روايتها الجديدة "للجبل عندنا خمسة فصول" - (1)

 حرب الجبل اللبنانيّ 1983 - (من مجموعة صور الطبيبة السويسريّة Josiane Andre)

إذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فرواياتي يكتبها المهزومون (ماري القصيفي)
***

1- بلا مقدّمات، لماذا هذا الحوار الآن؟ ولماذا اخترتِ أن يكون معي؟
  يأتي الحوار الآن في مناسبة صدور روايتي "للجبل عندنا خمسة فصول"، لدى دار سائر المشرق. أمّا لماذا أنتِ فلأنّكِ طلبت الحوار معي قبل سواك، ولأنّني قد أقول لك ما لا أقوله لغيرك.

2- لماذا؟
لأنّك تجيدين استفزازي واستخراج الكلمات منّي. وهذا أمر يثير حماستي ويحرّك حسّ المشاكسة عندي.

3- ما هو الفصل الخامس للجبل؟
هو فصل الجنون والحرب. كأنّ الجبل جعل هذا الفصل المخيف ثابتًا في تسلسل أيّامه وأشهره، حتّى صار من المتوقّع أن تعود الصراعات، وتنفجر المشكلات، ويتقاتل الناس لأتفه سبب... طبعًا أتمنّى ألّا يحدث ذلك.

4- ألا تخشين أن تتّهمي بإثارة النزاعات الطائفيّة؟
وهل انتهت النزاعات الطائفيّة كي أثيرها؟ وهل ما نحن فيه سلام وعدل وأمن وبحبوحة؟ ثمّ إنّ اتّهامي بأنّني بالكتابة أنكأ الجراح يعني أنّ الناس يشترون الروايات ويقرأون ويتفاعلون مع ما يقرأون... وهذا كلّه محض خيال لا يمتّ للواقع بصلة. لا أحد يقرأ وبالتالي لن يسبّب كتابي مشكلة ما لم يتبرّع أحدهم بتنبيه الناس إلى أنّني كتبت رواية عن حرب الجبل... وسأكون والناشر شاكرَين إن تكرّم أحد وفعل ذلك.

5- لماذا الرواية إذًا؟ ولمن تكتبين؟
قلت مرارًا إنّني أكتب لأغيّر ذاتي لا لأغيّر الآخرين، ولأعالج جراحي لا جراح سواي، ولأنقّي ذاكرتي لا لأصلح المجتمع... فلو كانت الكتب تفعل ذلك لكانت الكتب المقدّسة فعلت ذلك مذ وجدت. وهذه الرواية بالذات كتبتها بغضب وحبّ كبيرين: غضب سببه غباء المسيحيّين والدروز وما فعلوه بأنفسهم، وحبّ للجبل الذي ما كنت أراه إلّا صورة لبنان الجميل. وكنت طيلة الأعوام الثلاثين الماضية أقدم على الكتابة ثمّ أتراجع لأنّني خفت من مواجهة هذين الغضب والحبّ. وحين بدأت الكتابة في شتاء 2012، صودف أن اتصل بي صديق عزيز هو جورج غندور، وكان تلميذي قديمًا، وسألني عمّا أكتبه بعد رواية "كلّ الحقّ ع فرنسا"، فأجبته بأنّني بدأت برواية عن حرب الجبل. وهنا كانت المفاجأة إذ تبيّن أنّه يتّصل بي من سويسرا حيث يعمل، ليخبرني بأنّه يعرف طبيبة سويسريّة اسمها جوزيان أندريه، كانت شاهدة على ما جرى في حرب الجبل، ولقد كتبت رسائل ومذكّرات عن تلك المرحلة. وهي بدورها عرّفته على شابّ من بحمدون اسمه أنطوني خيرالله، نجا من المجزرة لأنّه كان في مخيّم للأولاد في منطقة كسروان. لكنّ والديه وأشقّاءه الثلاثة قُتلوا حين سقطت البلدة وتهجّر أهل الجبل. فصارت يوميّات الطبيبة وحكاية أنطوني الحزينة جزءًا أساسيًّا من الرواية، من دون أن تكون هي الرواية. 

6- هل تعتبرين أنّك كتبت رواية تاريخيّة؟
أنا أرى إنّ الرواية هي التاريخ الصحيح، لأنّها تحكي سِيَر الناس والأمكنة في أزمنة مختلفة. وفي غياب كتاب تاريخ موحّد لحروبنا لإنّ الناحية العلميّة الموضوعيّة غائبة، ولأنّ التاريخ يحتاج إلى منتصر يكتبه، وحروبنا الصغيرة، بحسب مارون بغدادي، تنتهي دائمًا بصيغة لا غالب ولا مغلوب، إذًا، في غياب كلّ ذلك كتبت رواية تستمدّ من تاريخ حرب الجبل مادّتها، لكنّها لا تخضع لأحكام كتابة التاريخ، من حيث الحياد والموضوعيّة واللغة العلميّة والحقائق الثابتة. وإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فرواياتي يكتبها المهزومون. 

7- هل هي سيرة ذاتيّة؟
في كلّ كتابة بعضٌ من ذات الكاتب. لذلك، هناك جوانب كثيرة من سِيرتي ولكن بقراءة شاملة، وكجزء صغير اسمه "أنا" من كلٍّ كبير اسمه "الوطن". ولكنّ هذه "الأنا" لا تشبهني تمامًا، فكأنّني اخترعت "أنا" أخرى، كما اخترعتُ الآن "ماري القصيفي" أخرى لأجري معها هذا الحوار. 


(يتبع)