الغريبة تقرع لزاهي وهبي أجراس أنوثتها



     لربّما يصحّ أن تكون العبارة التالية من مجموعة زاهي وهبي الصادرة حديثًا عن دار الساقي: "وما من ضرورة لكاف التشبيه"، عنوانًا آخر رديفًا للعنوان الذي اختاره: انتظار الغريبة. فالتشبيه نقطة ارتكاز تدور حولها النصوص، ويتكّئ عليها لاوعي الشاعر، كأنّه لا يصدّق أنّ هذه المرأة الغريبة قد وصلت، بل شبّه له ذلك، فانطلق يقارنها بما تقع عليه حواسه ليجعلها أقرب إلى متناول قلبه وقلمه.

     قد تغيب كاف التشبيه تاركة المجال للقاء مباشر بين المشبّه والمشبّه به، لكن حين تحضر الأداة – الكاف ومثل أو الأفعال – يتحوّل التشبيه البليغ بلاغًا رسميًّا بأنّ المشبّه يحتاج إلى المشبّه به كي يسهل التقاطه وإيصاله إلى المتلقّي: محيّاكِ لافتة ترحاب – تدخلين مثل سحابة أو غزالة – القوام حبس والوقت سجّان – عيناي علامتا استفهام – قلبي جرس إنذار – عيناي قاموس وَلَه – جسدي سيّد اللغات – لياليها حرائق – أحلامها مزيج فراديس ونيران – كمحكوم تحت مقصلة – كموقد يترقّب حطبه – كسيف سئم غمده – كمنشفة سعيدة – النهدان متوثبّان كفريسة اشتمّت رائحة صيّادها – أمدّ ضلعي قنطرة حنان – صار ساعداي قنطرة حنان...

     أمام هذه المجموعة الشعريّة الغارقة في حقل التشابيه البكر، لا يستطيع المتلقّي ألّا يطرح تساؤلات عن تلك الرموز المسيحيّة المرشوشة في حنايا القصائد كزهرات ربيعيّة لا نعرف أيّ طائر حمل بذورها إلى حيث هي: فوح مناولة أولى وقربان، وشجرة ميلاد بلا مصابيح ولا زينة، وصوتك فرح طفل بشجرة ميلاد، قهقهة سانتا، غزلان العيد، ثلج يهمي على أرض تصدح أجراسها حبًّا في المآتم، كرماد ناعم في مبخرة شمّاس قدّاس منتصف الليل، صوتك كنيستي، نظراتك شحوب شمع كنسيّ، أجراس أنوثتها، قدّاس عيد، جنّاز قيامة، في الميلاد أهداني سانتا صورة امرأة صرت شجرة عيد، مملكتي ليست من هذا العالم، لا صخرة ولا صليب...

     وهذا يدفعنا لملاحظة النتيجة الجماليّة لهذا التفاعل الحضاريّ في بيئة متنوّعة، هي البيئة اللبنانيّة، وتقدير الجرأة في استخدام الرموز المسيحيّة في وقتٍ تتعرّض فيه لاعتداءات شرسة تريد محوها من هذا المشرق، وتكفير كلّ من يقاربها حقيقة أو مجازًا.