إلى شهيد صار الليلة شاهدًا...


النقيب الشهيد جهاد الهبر


من أجلكَ كتبَ عاصي الرحباني على لسانِ ابنتِك التي لن تتزوّجَ لتنجبَها: بيي راح مع هالعسكر... راح وبكّر     
من أجلكَ غنّتْ فيروز: نايم ع تلّة بتضلّ تصلّي ومغطّى بعلم لبنان     
من أجلكَ هتفتْ صباح: محبوبي جندي بالجيش     
من أجلكَ صدحَ وديع الصافي: يا بني بلادك دمك عطيها         
ومن أجلك يبكي اللهُ الليلةَ، فتقولُ حبّةُ الترابِ في أرضِنا لأختِها:
فلنشربْ دمعَ إلهِنا المسكوبَ حزنًا، ولنحوّلْه أنهارًا وينابيعَ ترنّمُ ليلَ نهارَ اسمَ من سينامَ بيننا إلى الأ
***
قالتْ أمُّك لمريمَ العذراء: اغسلي جراحَه بالنيابةِ عنّي، ولا تتركيه يجوع...
قال أبوك ليسوعَ: هو أخوك الصغير، لن أعاتبَك لأنّك تركته يواجهُ موتَه وحيدًا كما حصل معكَ... لكنّي أطلب منك الآن أن ترعاه في انتظارِ أن أنضمَّ إليه!
فقالتْ مريمُ لابنها: لا تلُم نفسَك، يعرفون في قرارة نفوسهم أنّ العملَ كثيرٌ والذين يساعدونك قليلون...
***
الرصاصةُ التي أصابتك خجِلةٌ من دمك، الأرضُ التي عانقت وقوعَك خجِلةٌ من عينيك، الأرزُ الذي سمع شهقتَك الأخيرةَ خجِلٌ من وجعِك، لبنان الذي يخاف أن يصرعَه الخنزير مرّة جديدة خجِلٌ من عزمك... 
إلى متى سيحيا هذا الوطن على دماءِ من يشبُهك شجاعةً وعشقًا؟ 
***
لم تعدْ بلدتُك، يا صغيري، اسمًا مجهولًا على خريطة صغيرة... صار لها مَزارٌ اسمُه مدفنُك... ولن يكونَ أهلُ بلدتِك اليومَ مجرّدَ أناسٍ يستيقظون للعمل وينامون من شدّة التعب... باتوا أهلَ الشهيد، وأقرباءَ البطل، ورفاقَ الشاب الشجاع... كلّهم صاروا أمَّك وأباك وإخوتَك... يبكون... كما يبكي الله: عجزًا وغضبًا وحزنًا وألمًا وخوفًا... وصرتَ إنت الحكاية... يحملها المهاجرُ معه، ويخبّئها المقيمُ في صدره، ويرويها جرسُ الكنيسةِ كلّما وُجِدَ ساعِدٌ يشدّ الحبل، لتسمعَ التلّاتُ القريبة أنّ شابًا التحقَ بالجيش شهيدًا... وحين قتلوه صار شاهدًا على خوفِنا وتخاذلِنا وصمتِنا وخجلِنا... وعلى الغدر والتعصّب والجهل والحقد... حين قتلوه عادَ إلينا ميتًا ليوقظَنا من موتِنا.